اللواء/ هانى غنيم
رئيس المركز المصرى للدراسات والابحاث الاستراتيجيه
على صعيد مزيد من التعاون وتحسين العلاقات بين مصر وروسيا، تأتي زيارة الرئيس “السيسي” لروسيا، وهو ما يمثل دفعة جديدة للتعاون البناء المتواصل بين القاهرة وموسكو وللعلاقات الاستراتيجية المتميزة بين البلدين، حيث من المقرر أن تتناول الزيارة مجموعة من القضايا السياسية والاقتصادية والملفات ذات الاهتمام المشترك، بما يشمل توسيع التبادل التجارى والاستثمارى وتنشيط الحركة السياحية، إلى جانب بحث قضايا الشرق الأوسط بما يحقق الحلول السلمية لأزماتها.
أهداف الزيارة:
بالنسبة لروسيا؛ فإنها تسعى عقب تطورات الأحداث بمنطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام الماضية، لبناء تحالفات جديدة وإعادة الصداقات القديمة، وتحديدًا مع مصر الدولة العربية الكبرى ذات التأثير الفعال بالمنطقة والعالم.
حيث تنظر موسكو لمصر على اعتبار أنها مركز صناعة القرار فى الشرق الأوسط، رافضة كافة مساعى نقل مركز الثقل التقليدى للمنطقة إلى الأطراف الأخرى، وهى تؤكد هذه النظرة فى كل المناسبات.
وأبدت روسيا موقفا مؤيدا لثورة 30 يونيو وما تلاها من تطورات بما فى ذلك كافة محطات خارطة الطريق، ومن هذا المنطلق فإن روسيا تؤيد عودة مصر بقوة إلى الساحة الإقليمية والدولية، وتدعم مشاركتها فى كافة المبادرات الإقليمية، وتقاوم أى محاولة لتهميش الدور المصري، وهو ما برز جليا فى الأزمة السورية وأزمة غزة والذى وصل للمطالبة بضم مصر للرباعية الدولية لتفعيل دور الأخيرة.
بينما تسعى مصر فى ظل قيادة الرئيس السيسى إلى العودة لدورها الرئيسى فى منطقة الشرق الأوسط والعالم، بقضاياه المتعددة والملحة، وتجلى ذلك من خلال بروز توجهات جديدة فى السياسة الخارجية حيث تتجه مصر إلى تنويع علاقاتها الخارجية مع القوى الدولية كروسيا من أجل تعظيم الاستفادة وتحقيق المصالح المصرية، حيث يُعتبر انفتاح هذه العلاقة المصرية الروسية واتسامها بالحيوية والفاعلية رسالة للعالم لإعادة تقييم موقف صناع القرار وتعبيرا عن قدرة مصر على التحرك
ومن هذا المنطلق تطورت العلاقات المصرية الروسية خلال السنوات الأخيرة مع التأكيد على متانة وعمق العلاقات بين البلدين والتى تمتد إلى أكثر من 70 عاما.
تاريخ العلاقات بين البلدين:
شهدت العلاقات بين القاهرة وموسكو على مدار 72 عاماً -منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية- تاريخاً من الديناميكية والحيوية، حيث أن العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتى ومصر أقيمت فى 26 أغسطس 1943، وشهدت العلاقات بين البلدين تغيرات جدية، كما تغيرت أولوياتها على الصعيدين الخارجى والداخلي.
وتمت الخطوة الأولى للتعاون المصرى الروسى فى أغسطس عام 1948 حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصرى بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي، وشهدت العلاقة تطورات متلاحقة كان أبرزها بعد ثورة يوليو عام 1952، حين قدم الاتحاد السوفيتى لمصر المساعدة فى تحديث قواتها المسلحة وتشييد السد العالي.
وبلغت العلاقات الثنائية ذروتها فى فترة الخمسينات – الستينات من القرن العشرين حين ساعد الخبراء السوفييت مصر فى إنشاء المؤسسات الإنتاجية، وبينها السد العالى فى أسوان ومصنع الحديد والصلب فى حلوان ومجمع الألمونيوم بنجع حمادى ومد الخطوط الكهربائية أسوان – الإسكندرية.
وتم فى مصر إنجاز 97 مشروعاً صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفيتي، وكانت مصر فى طليعة الدول التى أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991.
وكذلك يحفل تاريخ العلاقات بين الدولتين بتبادل الزيارات واللقاءات بين المسئولين المصريين والسوفيت ولم تتوقف إلا لفترة وجيزة فى السبعينات، لتعود من جديد فى الثمانينات ولكن الظروف الدولية باتت تقتضى إعطاء دفعة جديدة لهذه العلاقات المتميزة .
وفى هذا الإطار قام فلاديمير بوتين رئيس روسيا بزيارة لمصر يومى 9 و10 فبراير 2015، بدعوة من الرئيس السيسي، وقد دعمت هذه الزيارة العلاقات القوية بين مصر وروسيا اللتين ما زالتا تلعبان دورا قياديا على الساحتين الإقليمية والدولية، فى ظل أجواء من التوتر والغيوم التى تخيم على منطقة الشرق الأوسط بالنزاعات فى ليبيا والعراق وسوريا واليمن، بينما تسيطر هذه الأجواء على أوروبا التى تشهد نزاعاً فى أوكرانيا مما أثر على العلاقات الروسية الأوروبية.
حيث بحث الرئيسان السيسى وبوتين خلال الزيارة سُبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلًا عن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، كما تبادلا الآراء حول تطورات الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الموقف فى كل من سوريا وليبيا، إضافةً إلى سُبل دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأيضاً حرص الرئيس المصرى على مشاركة القيادة والشعب الروسى بالذكرى السبعين للنصر فى الحرب العالمية الثانية وذلك فى مايو من عام 2015، ثم عاود زيارة روسيا فى أغسطس من ذات العام، وتم خلال الزيارة الحديث عن توسيع التعاون بين البلدين فى الكثير من المجالات بما فى ذلك الطاقة الذرية وإنشاء منطقة صناعية روسية بالقرب من قناة السويس إلى جانب العديد من المشروعات الطموحة بين البلدين.
كما قام الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بزيارة لمصر يوم 11 ديسمبر 2017، فى ثان زيارة من نوعها فى غضون عامين فقط، وتم خلالها التوقيع على عدد هام من الاتفاقيات بما فى ذلك اتفاق الضبعة، إلى جانب إعطاء الضوء الأخضر لإمكانية استئناف الطيران المباشر بين البلدين بعد انقطاع استمر لأكثر من عامين بسبب حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء.
كما حققت العلاقات السياسية بين البلدين طفرة عقب ثورة الثلاثين من يونيو تمثلت فى زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين إلى مصر يوم 14 نوفمبر 2013، وزيارة وزيرى الخارجية والدفاع المصريين إلى روسيا يومى 12 و13 فبراير 2014، حيث تم عقد المباحثات السياسية بصيغة «2+2»، بما يجعل مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى تبنت موسكو معها هذه الصيغة التى تتبناها روسيا مع خمس دول أخرى، هى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان، وحرص البلدان على عقد لقاءات هذه الصيغة بشكل منتظم سواء فى القاهرة أو موسكو.
وقد شهدت تلك الزيارات مستويات مختلفة من المسئولين؛ ففى سبتمبر 2013 قام وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمى بزيارة لروسيا، التقى خلالها مع نظيرة الروسى سيرجى لافروف، كما عقد جلسة مباحثات مع كولاى باترشيف سكرتير عام مجلس الأمن القومى الروسي، تناولت التطورات التى تشهدها مصر، فضلا عن عدد من الموضوعات الإقليمية محل الاهتمام المشترك, ومن بينها القضية الفلسطينية وعملية السلام فى الشرق الأوسط والوضع فى سوريا لما له من انعكاسات إقليمية، مشيرا إلى أن اللقاء تناول موضوع إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط.
وفى أبريل 2014، قام المبعوث الخاص لروسيا بزيارة إلى الشرق الأوسط، حيث بحث تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وروسيا وعدداً من الملفات الإقليمية والدولية التى تهم البلدين، وتم خلال اللقاء تأكيد عزم البلدين على تطوير العلاقات بينهما فى مختلف المجالات بما يليق بمكانتها الإقليمية والدولية ويحقق تطلعات شعبيهما ومصالحهما المشتركة.
وفى مايو 2014، قام الوفد الشعبى الروسى بزيارة لمصر برفقة مجموعة ممن شاركوا فى بناء السد العالى وذلك فى ذكرى الاحتفال بمرور 50 عاماً على تغيير مجرى نهر النيل، وهدفت الزيارة إلى تقديم الدعم للجانب المصري، ويعكس رغبة الجانب الروسى للتعاون وتقديم العون للجانب المصرى فى قضايا المياه والطاقة، على غرار ما تم فى إطار تنفيذ إطلاق القمر الصناعى “إيجى سات”، وأنه تم اختيار الهيئة العامة للاستعلامات كمنبر لإطلاق رسالة تدعو الحكومة المصرية للتعاون وإنشاء لجنة مشتركة من خبراء مصر وروسيا فى مجالات المياه والطاقة.
وفى نوفمبر 2014، قام مبعوث الرئيس الروسى للشرق الأوسط ميخائيل بوجدانوف بزيارة لمصر حيث استقبله وزير الخارجية سامح شكري، وبحث الجانبان العلاقات الثنائية بين مصر وروسيا الاتحادية وسبل تطويرها فى مختلف المجالات بما يحقق مصالح البلدين خاصة فى المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والزراعية.
وفى ديسمبر 2014، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى نائب رئيس وزراء روسيا دفوركوفيتش والوفد المرافق له، كما استقبل المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء حينذاك، نائب رئيس الوزراء الروسي، وشدد محلب على أهمية الزيارة فى تعزيز التعاون الاستراتيجي، وأوضح أن الحكومة تولى رعاية كبيرة حالياً بتعزيز التعاون مع الجانب الروسي، وأنها فى هذا السبيل أنشأت “وحدة روسيا” بمجلس الوزراء لمتابعة علاقات التعاون الثنائى فى مختلف المجالات.
وتواصلت الزيارات الرسمية بين البلدين ومن بينها زيارة رئيس مجلس النواب المصرى د.على عبد العال، لسان بطرسبورج فى 17 أكتوبر ، وزيارة لوزيرى الدفاع والخارجية لموسكو، وزيارة وزير الطيران المصرى شريف فتحى لروسيا فى 15 ديسمبر 2017 حيث تم التوقيع على بروتوكول التعاون فى مجال أمن الطيران بين البلدين ، كما قام وفد الدبلوماسية الشعبية بزيارة لروسيا فى مارس 2016، والوفد البرلمانى المصرى بزيارة لروسيا فى 11 يوليو 2016.
أهم القضايا التي من المقرر مناقشتها
تأتي تلك الزيارة بهدف بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين مصر وروسيا على كافة الأصعدة، فضلا عن مواصلة التشاور والتنسيق المكثف حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وتحتل الملفات الاقتصادية خاصة زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري وتوسيع التعاون في القطاع السياحي، مكانة محورية في زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي المقبلة لروسيا، حيث من المقرر أن يعقد عدة لقاءات تتعلق بزيادة الاستثمارت الروسية في مصر، خاصة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وتوسيع مشروعات المنطقة الصناعية الروسية بمصر، وزيادة حركة السياحة الوافدة إلى مصر.
والجدير بالذكر أن حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا آخذ في التزايد، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين في عام 2017 نحو 6,722 مليار دولار، ويميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح روسيا، بينما بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين خلال الـ11 شهراً الأولى من عام 2014 أكثر من 4,6 مليار دولار، وزادت صادرات مصر من المنتجات الزراعية إلى روسيا بنسبة 80% لتتعدى 500 مليون دولار مقابل 267 مليون دولار في ذات الفترة من عام 2013، الذى شهدت الصادرات المصرية إلى روسيا خلاله ارتفاعاً بلغت نسبته نحو 29% مقارنة بعام 2012، بسبب الارتفاع في تصدير الفواكه والخضروات.
وتمثل المنتجات الزراعية تمثل 70% من حجم التجارة بين مصر وروسيا، حيث بلغت الصادرات المصرية لروسيا من البطاطس خلال الموسم الماضى قرابة 330 ألف طن، وهو ما تقدره سلطات الحجر الزراعي بقرابة المليار جنيه.
ويبلغ عدد المشروعات التي تم إنشاؤها باستثمارات روسية في مصر 363 مشروعاً بإجمالي رأسمال مستثمر يقدر بحوالي 148,74 مليون دولار، وتركزت أغلب هذه المشروعات على قطاع السياحة والخدمات (143 مشروعاً)، تلاها قطاع الإنشاءات (38 مشروعاً) فقطاع الصناعة (27 مشروعاً) ثم قطاع الزراعة (13 مشروعاً) وأخيراً قطاع الاتصالات (5 مشروعات) والقطاع التمويلي (3 مشروعات)، في حين تبلغ الاستثمارات المصرية في روسيا 450 مليون دولار أغلبها استثمارات في مجال صناعة الطائرات وبعض الاستثمارات العقارية.
ومن المقرر أن يعقد الرئيس عبد الفتاح السيسي عدة لقاءات تتعلق بزيادة الاستثمارت الروسية في مصر، خاصة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وتتعلق أيضاً بالنقاش حول محطة الضبعة لتوليد الطاقة الكهربائية، التى تم توقيع عقودها مع شركة روسية لتنفيذها، وكذلك إنشاء منطقة صناعات روسية فى منطقة قناة السويس.
ويمكن القول أن زيارات الرئيس “عبد الفتاح السيسى” لروسيا عززت من العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، حيث عكست حرص البلدين على تبادل الدعم السياسى على المستوى الإقليمى والدولى فى ظل ما يواجهه الطرفان من تحديات خارجية وداخلية تستهدف النيل من الاستقرار السياسى وتهديد الأمن القومى لكليهما وتشاركهما فى رؤية موحدة فى مواجهة الإرهاب، وتحقيق مصلحة مشتركة فى دعم النمو الاقتصادى فى البلدين والفرص الاقتصادية التكاملية.